لماذا تحاربنا الإمارات ؟
محمد عثمان إبراهيم
رغم البعد الجغرافي النسبي فقد ارتبط السودان والإمارات بعلاقات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية شديدة التشابك والخصوصية تعمقت بعد قيام بريطانيا بمنح المشايخ المتصالحة (Trucial Sheikhdoms) وهو الاسم الذي كانت تطلقه الإدارة البريطانية على المشيخات التي أسست دولة الإتحاد الإماراتي في السابق، الحق في تأسيس دول يحكمها مواطنوها.
تأسست دولة الإمارات من اتحاد بين عدد من تلك المشيخات بزعامة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم المشيخة الأكبر مساحة والأغنى بالنفط وعلى الفور نشأت علاقة خاصة مع السودان الذي كان من أوائل الدول التي اعترفت بالاتحاد الجديد وكان الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري هو أول رئيس أجنبي يزور الدولة الوليدة فيما كانت الخرطوم أول وجهة للرئيس الإماراتي الجديد عقب توليه الحكم.
يمكن قراءة أهمية اعتراف السودان بالدولة المستقلة في الإمارات إذا تأملنا في رفض وتمنع المملكة العربية السعودية لسنوات من الاعتراف بدولة الإمارات العربية المتحدة، وما زال بين البلدين نزاعات حدودية من مخلفات حرب البريمي القصيرة بين السعودية وإمارة أبوظبي عام ١٩٥٢م وهي الحرب التي تركت آثاراً لم تمحى حتى الآن على الجغرافيا السياسية للخليج العربي، واقتصادية وتجارية وانتقلت مؤخراً إلى الميدان السياسي مما لا سبيل إلى حله دون صراع حاسم.
تمخضت عن تلك الزيارة عدد من الاتفاقيات التي ذهب بموجبها مئات لحق بهم عشرات الآلاف في السنوات التالية من السودانيين، للمساعدة في بناء وتأسيس الدولة الجديدة من كتابة دستورها، وصياغة قوانينها، وإدارة منشآتها الإدارية والخدمية، والأهم من ذلك بناء وتدريب أجهزتها العسكرية والنظامية، وكانت آخر النماذج المهمة في ذلك أن الرئيس السابق عمر البشير عمل كضابط في الجيش الإماراتي معاراً من القوات المسلحة السودانية لسنوات، وكان هذا أمراً معتاداً في العلاقات بين البلدين.
تمتع الشعبان وفقاً لهذه الخصوصية في العلاقات بقدرة عالية على التأثير والتأثر، وإمكانية في الاختراق الأمني والاستخباري المتبادل ساهمت في خفض تناوله في وسائل الإعلام الطبيعة الحميمة للتواصل بين الأجهزة الرسمية في البلدين.
في عهد الرئيس عمر البشير، مرت العلاقات بين البلدين بعدد من المطبات والعوائق السياسية نجحت في تجاوز بعضها وأخفقت في الأخرى حتى كان العائق الأخير الذي أسقط حكومة البشير. لسنا هنا بصدد رصد كل تلك العوائق التي سنأتي على تفاصيلها في كتابة أكثر توسعاً لكن وفقاً لما يسمح به السياق هنا فإننا نشير على أن الغبن الرسمي الإماراتي على السودان مؤسس على أربعة قوائم:
1- معاداة الإسلاميين والسعي للإنتقام منهم، وهو أمر مهم وحيوي بالنسبة لجميع دول الخليج العربي بإستثناء قطر حيث يقول الحاضر والمستقبل المؤسس على التاريخ ان هذه الممالك قد وصلت إلى نهاياتها وفق التفسير الخلدوني عن انقضاء أعمار الدول (العربية والبدوية والقبائلية بالطبع) في الجيل الثالث.
تواجه دولة الإمارات استحقاقات داخلية هائلة تتعلق بنظام الحكم، وحالة الإتحاد، والتفاوت الطبقي والإقتصادي وما ترتب عليه من تفاوت إجتماعي، وتحاول الهروب من هذه الاستحقاقات بحزمة من الحيل المؤقتة من بينها الميل للعلمانية المتطرفة، والمناهج الدراسية الموجهة، والفقاعات الإعلامية الضخمة التي تنتج كل شيء ما عدا ما يمس السلطة، والقوانين المانعة للرأي الحر والتفكير، إضافة إلى محاربة التيارات الإسلامية كغطاء لمحاربة النزوع نحو التدين نفسه، وغير ذلك.
2- مواجهة المشكلات الداخلية والإقليمية (مشكلات الحدود مع إيران والسعودية) والجوار غير الصديق مع عمان وقطر وهو جوار يحمل مرارات تاريخية قابلة للانفجار في الظرف التاريخي المواتي، وذلك بنقل الصراعات إلى الخارج وتشويه صورة الإختلاف السياسي بإعتباره عملاً تدميرياً -نماذج اليمن وسوريا وليبيا والسودان وهي جميعها حروب إماراتية – لتهديد المواطن المحلي ورفاهيته ضمن الأهداف الأخرى بطبيعة الحال.
3- السياسة الخارجية الطموحة ومحاولة التأثير في السياسة الدولية بالإضافة إلى الطموحات التجارية والاستثمارية.
4- خدمة السياسة الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة ومحاولة تأسيس قطب جديد لصناعة القرار الجماعي العربي يستوعب إسرائيل ويستبعد بالضرورة فلسطين، وهو أمر مستحيل لأسباب كثيرة متعلقة بالتعليم والثقافة والإرث الحضاري، وعدد السكان، والموقع الجغرافي، وديناميات الوحدة الوطنية في الداخل الإماراتي نفسه.
مقطع من مقال مطول سينشر في وقت لاحق