أزدواحية المعايير .. في صفوف قوي الحرية و التغيير

أمين الشيخ
بورتسودان
11يوليو2025
في الوقت الذي ترفع فيه قوى الحرية والتغيير (قحت) شعارات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، تبرز بين الحين والآخر مظاهر لافتة من ازدواجية المعايير والعنصرية ضد مكونات بعينها في المجتمع السوداني، وعلى رأسها مكونات شرق السودان، وهو ما ظهر بجلاء في الحملة الممنهجة ضد تعيين واختيار الدكتور عبد الله درف وزيرًا للعدل ضمن التشكيل الوزاري الأخير.
فور إعلان قائمة التشكيل الوزاري ، الأخير و الذي ضم الدكتور عبد الله درف وزيراً للعدل، قوبل القرار بهجوم لاذع من ناشطين محسوبين على قوى الحرية والتغيير، حيث وصف بعضهم الوزير الجديد بأنه “فلول” ومن بقايا النظام السابق، دون الاستناد إلى حيثيات مهنية أو مراجعة موضوعية لمسيرته القانونية والأكاديمية.
أزدواجية في المعايير.. هل “الفلول” على مزاج الهوى السياسي؟
اللافت أن الانتقائية في التصنيف السياسي باتت ظاهرة متكررة لدى ناشطي قوي الحرية والتغيير ، حيث يُغضّوا الطرف عن شخصيات شغلت مواقع مرموقة في عهد النظام السابق ما دامت تنتمي إلى مجموعات جغرافية أو إثنية محددة، بينما يُرفع سيف الاتهام في وجه أي شخصية من شرق السودان تُعيَّن في منصب سيادي أو وزاري، ويتم التنقيب في ماضيها في محاولة لتشويهها أو تقويض شرعيتها.
وقد أشار مراقبون إلى أن الدكتور عبد الله درف لم يكن جزءًا من النظام السابق بالمعنى السياسي أو التنفيذي، بل شغل مواقع أكاديمية ومهنية معروفة بكفاءته في مجال القانون، ما يجعل اتهامه بالانتماء إلى النظام السابق نوعًا من التصنيف الانتقائي والمجحف الذي لا يُراعي معيار الكفاءة أو النزاهة، بل يركّز على الخلفية الجغرافية والاجتماعية للمرشح.
عنصرية صامتة ضد شرق السودان
لم تكن هذه الواقعة الأولى من نوعها، إذ سبق أن واجهت شخصيات من شرق السودان، مثل الدكتور محمد الأمين ترك والناشطة آمنة درار، حملات مشابهة تنطلق من نفس الخلفية العنصرية والتهميش الممنهج، وهو ما ألقى بظلاله على العلاقة المتوترة بين قوى سياسية مركزية وبين قواعد شعبية واسعة في الإقليم الشرقي.
و يرى نشطاء ومثقفون من شرق السودان أن هذه الحملات تكشف عن نظرة استعلائية ما زالت تتسلل إلى الخطاب السياسي لقوى تنادي بالحرية والعدالة، وتثير تساؤلات جادة حول مدى صدق هذه القوى في بناء دولة المواطنة و المساواة.
تبادل أدوار للحفاظ على الامتيازات التاريخية
ويذهب بعض المحللين إلى أبعد من ذلك، مشيرين إلى أن ما يجري ليس مجرد مواقف فردية أو سلوكيات عنصرية معزولة، بل هو نتاج تحالفات نُخبوية تقليدية تعتقد أنها الأجدر بحكم السودان. هذه النخب، التي تنتمي إلى مكونات بعينها، تتناوب الأدوار بين الحكم والمعارضة بهدف عدم التفريط في امتيازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التاريخية.
ويضيف هؤلاء أن رفض تعيين شخصيات من خارج هذا الإطار — خاصة من شرق السودان أو المناطق المهمشة — ليس نابعًا فقط من خلافات فكرية، بل من خوف وجودي من إعادة تشكيل ميزان القوى في البلاد. فالاعتراف بكفاءة مكونات جديدة يعني كسر حلقة الاحتكار التاريخي للسلطة، وهو ما تعمل هذه المكونات على تجنبه عبر حملات تشويه واستبعاد ممنهجة.
دعوات للمراجعة والاعتذار
وفي ظل تصاعد الانتقادات، دعا نشطاء مستقلون و حقوقيون إلى فتح نقاش جاد حول معايير التصنيف السياسي في السودان الجديد، مطالبين بضرورة الكف عن استغلال شعارات الثورة كسلاح انتقائي ضد الخصوم، و التوقف عن التمييز المبطّن ضد مكونات جغرافية وإثنية بعينها، خاصة تلك التي عانت من التهميش لعقود طويلة.
كما طالبوا القوى السياسية باحترام إرادة الشارع وتقييم الوزراء بناءً على أدائهم المهني وبرامجهم، وليس من خلال الانتماءات القديمة أو الجهوية.
في ظل الوضع الانتقالي الهش الذي تمر به البلاد، تبدو الحاجة ماسة إلى خطاب سياسي رشيد، يُعلي من قيم العدالة والمساواة لا مجرد الشعارات، ويكف عن استخدام المعايير المزدوجة كأسلوب للإقصاء والتهميش. فبناء السودان الجديد لن يتحقق إلا بمشاركة جميع مكوناته، شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، على أساس الجدارة، لا الجغرافيا أو الأيديولوجيا.
#أمين_الشيخ_Ameen_Alshikh