رشان اوشي
أمضينا عقوداً نحمّل مسؤولية النكبة السودانية في دارفور لحركات الكفاح المسلح ، مع أن سوء الإدارة السياسية لملف التمرد كان هو سبب الخسارة.
ولكن.. غزو مليشيات “آل دقلو” والحرب مع جيش معظم جنوده قادمين من أصقاع الصحراء الأفريقية ،كشف لنا أن تمرد حركات دارفور كان أخلاقياً بمقدار المقارنة مع الدعم السريع ، كانوا عسكر يخوضون معاركهم ضد الدولة فقط ، ضد عدوهم الحقيقي ، لم يحاربوا المدنيين ، لم ينهبوا ممتلكاتهم، لم يحتلوا بيوتهم ،لم يبيعوا نساءهم في سوق نخاسة القرن الواحد والعشرين.
كانت حرب قضية وان انحرفت عن مساراتها بتقادم السنوات، ولم تنحرف عن نهجها.
حاول “حميدتي” استقطاب قادة الحركات المسلحة عبر اتفاق “جوبا” الذي أنفق عليه أموالاً طائلة ، في إطار استعداده لمعركة انتزاع السلطة من “الجلابة” ، كان يظن أنه أعاد ترتيب الأوراق من جديد في دارفور ، ولكن موقف القادة الحقيقيين بالطبع لا أعني هنا “د.الهادي ادريس” أو “الطاهر حجر”، من الاتفاق الإطاري أنهى الأحلام السعيدة التي عاشها “دقلو” ، وبعد ذلك انتبه إلى أن المعركة أمامه لم تعد مجرد معركة يخوضها تحت شعار التحرر المناطقي، إنما صارت معركة يتبناها أبناء دارفور بكامل وجدانهم .
خلال مرافقتي لوفد عضو مجلس السيادة ، ورئيس حركة تحرير السودان _ المجلس الانتقالي “صلاح ادم تور” إلى ولاية “كسلا ” هذه الأيام ، استمعت بتركيز إلى خطاباته أمام الآلاف من جنوده بالمنطقة الشرقية ، وهو يحثهم على قتال مليشيات “آل دقلو” ، وضرورة تحرير بلادهم .
ربما لم يكن الانتصار على المليشيات ورعاتها الدوليين بالأمر السهل، وان المعركة شرسة وحادة، ولكن يكفي انها وحدت وجدان السودانيين من البحر الى النهر إلى الصحارى والوديان ، وأبرزت لنا قادة عظام تخلوا عن مرارات الماضي من أجل وحدة التراب السوداني .
“صلاح ادم تور” الشهير ب “صلاح رصاص” ، كني بذلك لأنه “قناص” ماهر ، يقتنص الفرص الوطنية ليطلق رصاصته في قلب العدو الذي يهدد وجوده التاريخي كسوداني و من دارفور .
في احدى ليالي “كسلا”، كان “صلاح رصاص” ، يتناول طعام العشاء في احد اهم بيوت الحكمة في شرق السودان ، كان برفقة “دقلل” ناظر عموم البني عامر ، بينما يتبادل أطراف الحديث مع أعيان القبيلة وكبارها، انبرى أحد العمد قائلاً:” يا ريس نحن مع الجيش ، ونحن ذاتنا قوات مسلحة، قدمنا أكثر من ثلاثمائة شهيد منذ ١٥/ابريل/٢٠٢٣م، وجاهزون لخوض المعركة حتى تحرير دارفور” ، فرت من عيني دمعة ، وارتبكت مشاعري ، بينما ابتسم القائد ابتسامة الظافر .
الخلاصة؛ أن التاريخ سيثبت أن حربنا ضد “ال دقلو” ليست عبثية بل شرعية ، نحن الآن في مرحلةٍ خاصة، حيث تفتق الوجدان السوداني عن عاطفة جارفة حول الأحداث، والمعاني الوطنية .
من كسلا ، سأخبركم في المقال القادم عن “مرقو مرقو ” و”اماني” ، حكاية مقاتلين شبا خلال حرب الثورة في دارفور ويعيشان الان نضوجهما في معركة الكرامة .