أكتب معنا
آراء ومقالاتالأخبار

رشان اوشي ، رجل الظل.. الذي يرمّم ذاكرة الدولة.

رشان اوشي تكتب
في التاريخ، لم يُخلَّد الضجيج أحداً، بل خلِّد أولئك الرجال الذين اختاروا العمل في صمت، حتى يعيدوا للدولة وعيها حين تفقد ذاكرتها تحت ضغط الحدث.

ظهور الفريق اول “ميرغني إدريس” برفقة الرئيس “البرهان” إشارة سياسية دقيقة تقول إن الرجل في قلب المعادلة، يدير من موقعه ملفات متشابكة تمسّ جوهر توازن القوة في البلاد.

إنه “رجل الظل” الذي أعاد ترتيب العلاقة بين الفكرة والسلاح، بين المواطن والجيش، بين الدولة وذاتها. وجعل من المؤسسة العسكرية شريكاً في البناء عبر إعادة هندسة الثقة المفقودة بين المجتمع والدولة.

لهذا ظلّ يعمل بهدوء يشبه سلوك الحارس الذي يدرك أن واجبه ليس أن يُرى، بل أن يُبقي الباب قائماً.

منذ توليه إدارة “منظومة الصناعات الدفاعية”، أعاد “ميرغني إدريس” تعريف العلاقة بين القوة والتنمية، وبين ما هو عسكري وما هو مدني؛ فقد حوّلها من مؤسسة إنتاج تقليدية إلى أداة استراتيجية تمارس دورها داخل الاقتصاد الوطني وفي فضاء السياسة الإقليمية، ضمن ما يمكن وصفه بـ “هندسة الدولة العميقة” وأعني بذلك: العملية الهادئة والمستمرة لإعادة بناء أجهزة الدولة وموازينها، بحيث تظل متماسكة وقادرة على حفظ كيان الدولة بغضّ النظر عن تغيّر الحكومات أو المزاج السياسي العام.

ومن موقعه كحارس لاستثمارات الجيش وأمواله، راكم “إدريس” شبكة علاقات إقليمية ودولية مكّنته من تجاوز القيود التي فرضها المال الإماراتي على السودان في الملفات العسكرية واللوجستية.

وبمرونة رجل الدولة، تعامل مع الأزمة لا بوصفها صراعاً على الموارد، بل تعزيزاً للقرار الوطني،فاستطاع أن يفتح مسارات اقتصادية كانت مغلقة، وأن يمنح المؤسسة العسكرية متنفساً في وجه ضغوط الحصار غير المعلن.

سياسياً، برزت بصمته في المسار التفاوضي حول الاتفاق الإطاري (2023)، حيث مارس ضغوطاً هادئة على “الرباعية الدولية” لاستيعاب جميع الكيانات السياسية السودانية في العملية السياسية التي انتهت بالحرب.

كان يؤكد على أن إقصاء أي مكوّن وطني يعني شرخاً جديداً في الجدار الداخلي، وأن الدولة لا تُبنى على التوازنات المؤقتة، بل على التوافق البنيوي الذي يحميها من التفكك.

في السياق الإنساني، برزت “منظومة الصناعات الدفاعية” باعتبارها ذراع الدولة في لحظة الانقطاع المدني.فخلال الحرب الأولى، حين كانت الميليشيات تحاصر الأحياء في الخرطوم، تولّت “المؤسسة التعاونية” بالتنسيق مع “سلاح الجو” إسقاط المؤن للأهالي، بينما عبرت تناكر المياه خطوط النار لتصل إلى المدنيين العطشى تحت القصف.

كما وفّرت “المنظومة” الدواء والغذاء والوقود،ساهمت في ترحيل اللاجئين السودانيين من مصر وعُمان والسعودية إلى بلادهم. كانت تلك الأعمال، تجسيداً لمفهوم “الأمن الإنساني” الذي يربط بين الدفاع عن الأرض والدفاع عن الحياة.

اقتصادياً وتنموياً، شكّلت شركات “المنظومة”، وعلى رأسها “زادنا”، مكوّناً أساسياً في إعادة الإعمار؛ فأعادت تأهيل بعض الطرق والمطارات بتمويل وطني من موارد الجيش، مؤكدة أن المال العسكري يمكن أن يتحول من أداة حرب إلى رافعة لبناء الدولة.

اليوم، ومع تعقّد المشهد الإقليمي وتزايد الضغوط الدولية، فإن ظهور “ميرغني إدريس” بالقرب من الرئيس “البرهان” لا يشي بمشهد بروتوكولي، بقدر ما يكشف عن حضور فاعل في هندسة التوازنات الدقيقة بين الداخل والخارج، بين ما يُقال في الإعلام وما يُدار في غرف القرارات المغلقة.

في علم السياسة يُقال: إن الدول تُدار بأيدي من يفهمون الوزن النسبي للقوة أكثر مما يرفعون الشعارات.وهنا يمكن القول إن “ميرغني إدريس” هو “رجل الظل” الذي يدرك أن التاريخ لا يُكتب في البيانات، بل فيمن يصوغ ملامح سيادة واستقلالية القرار الوطني خلف الاضواء.

محبّتي واحترامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خدماتنا
زر الذهاب إلى الأعلى