دكتور الطاهر موسي الحسن يكتب “إجازة القانون .. دليل سلامة أم قيد حرية ..!”
متابعات _ بورتسودان اليوم
في ظل المتغيرات التي تشهدها الساحة السودانية ، من تمرد مسلح قادته مليشيا الدعم السريع، وتداعيات تلك الحرب المفروضة على السودان ، كان لابد من منح الصلاحيات اللازمة لجهاز المخابرات العامة، الذي كبلته قوى الإنتقال – كما سمت نفسها – عقب إستلامها السطة التنفيذية، وجعلت منه جهاز علاقات عامة ، لا يملك أي أدوات فعلية لجمع المعلومات أو معالجتها، أو مجابهة المخاطر التي حاقت بالبلاد ، مما خلف فراغاً قامت بملئه أجهزة المخابرات الأجنبية ، و بشكل واضح وسافر، مكنها من التدخل في شئون البلاد الداخلية بكل (قوة عين) ، بطريقة مباشر أو غير مباشرة ، حيث كان أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى السودان ، يسرحون ويمرحون في الساحة ، و يصدرون التعليمات أحياناً لفعل ما يرونه الأصوب للسودان ، حكومة و شعباً ، وفقاً لتقديراتهم (خاصة الدول الكبرى)، أو عبر عملائهم الذين لم يخفوا عمالتهم ووضاعتهم، بل كانوا يتفاخرون بعلاقاتهم بالسفارات (سفارة سفارة)،على مرأى و مسمع الأجهزة الأمنية (المكبلة) و التي لا تسطيع فعل شئ حيالهم .
إستدعت تلك الظروف ضرورة إجازة مشروع القانون المعدٍل (بكسر الدال) لقانون (سنة 2020م)، الذي ظل حبيس أدراج السيد رئيس مجلس السيادة الإنتقالي لفترة من الزمن، ربما كان التأني مرتبط بظروف العمليات النشطة، التي تمددت في عدد من الولايات، غرباً و وسطاً وشرقاً، مع التهديدات المستمرة لإحتمالية إنتقالها للولايات الآمنة ، بسبب الدعم الإقليمي للمليشيا ، الذي تقوده دولة الإمارات العربية بشكل مفضوح ، دون أن تبدي أي مخاوف لعواقب ذلك الإعتداء ، الذي يستوجب المحاسبة من قبل المؤسسات الدولية المعنية بتحقيق الأمن والسلم الدوليين، كالأمم المتحدة عبر مجلس الأمن الدولي ، أو التعامل بالمثل من الحكومة السودانية ، التي تقدمت بشكوى رسمية للأمم المتحدة، مع الإحتفاظ بحقها في الرد على تلك السلوكيات ، بالطرق التي تراها مناسبة ، وفي الوقت الذي تحدده، فأخيراً تمت إجازة مشروع القانون (قانون جهاز المخابرات العامة تعديل 2024م)، وتوجيه الأجهزة المختصة بوضعه موضع التنفيذ، في الجلسة المشتركة بين مجلسي السيادة والوزراء، التي إنعقدت في الثامن من فبراير الماضي .
القانون في صورته الجديدة لا يختلف عن قانون جهاز الأمن و المخابرات الوطني لسنة 2010م، مع إضافة مواد جديدة تتعلق بالحرب والإرهاب والإقتصاد، ولكن الأبرز في القانون المجاز المواد المتعلقة بالمهام ، و التي تتضمن (وفق القانون المجاز) في المادة (25) طلب البيانات أو المعلومات، أو الوثائق، أو الأشياء، من أي شخص، بغرض الإطلاع عليها، أو الإحتفاظ بها، أو إتخاذ الجهاز ما يراه ضرورياً ولازماً بشأنها.
و هذا بطبيعة الحال يتطلب ضرورة إستدعاء الأشخاص و إستجوابهم ، و أخذ أقوالهم ، كما يعني التحري والتفتيش و القبض ، وفقاً لمنطوق المادة “50” من القانون.
و في هذه الحالة لابد من حماية العضوية، التي تقوم بتنفيذ تلك المهام المنصوص عليها بشكل واضح في القانون، وإعطائهم الحصانات اللازمة، بحيث لا يجوز إتخاذ أي إجراءات مدنية أو جنائية ضدهم ، إلا بموافقة مدير الجهاز شخصياً، (المادة 52-3).
إتجهت الحكومة الإتجاه الصحيح في ظل التهديد الوجودي للدولة نفسها (تكون أو لا تكون)، فالخيانة التي تعرضت لها البلاد، و ما إفتقدت إليه من أمن و إستقرار ، كان السبب الرئيسي فيه خضوع الحكومة للهياج الثوري ضد الجهاز وتحميله مسؤولية حماية النظام السابق ، مما تسبب في تقليص صلاحياته، و جعله منزوع الأنياب والأسنان، صادف ذلك هوى في نفس قائد التمرد (حميدتي) ، الذي كان يحلم بالإستيلاء على الجهاز ، فتحقق له بالفعل ما أراد، و وضع يده على مقراته و متحركاته و سلاحه، و سرح مقاتليه في هيئة العمليات، التي كان يتبع لها في يوم من الأيام، بعد حلها، و إحتلت قواتُه رئاسته عند إندلاع شرارة غدره صبيحة 15 إبريل 2023م .
ما يرمي إليه القانون الجديد، هو تحقيق رسالة الأمن التي تقول إن (من يملك معلومات أكبر يمتلك قوة أكبر) ، و هي أحد قواعد البناء الأمني ، و حجر الزاوية ، لأي دولة تريد الحفاظ على كيانها و مستقبلها و وحدتها ، وصد هجمات الأعداء عنها ، لا سيما التي تقودها أجهزة المخابرات المضادة، وعملائها والمخربين وعناصر النشاط الهدام .
و نسأل الله أن يوفق القائمين على أمر جهاز المخابرات العامة في أداء رسالتهم ، و يسدد خطاهم ، و يحفظ البلاد من شر الأعداء .