بعد انسحاب العسكر من الحوار .. خلافات قوية بين السياسيين في السودان
الخرطوم- تشهد الساحة السياسية السودانية ارتباكا كبيرا وخلافا حادا بعد كلمة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان التي تضمنت انسحاب المؤسسة العسكرية من الحوار والدعوة لتشكيل حكومة مدنية، والتعهد بحل المجلس السيادي الحالي وتشكيل آخر لاحقا يختص بالشأن الأمني والعسكري.
وبينما رفض البعض هذه القرارات واعتبرها مجرد مناورة مكشوفة، رحب آخرون بقرارات قائد الجيش ودعوا لاغتنام الفرصة والجلوس على مائدة حوار سياسي يشمل الجميع، وصولا لتفاهمات تنهي الوضع المأزوم في هذا البلد.
وقد كشف ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية أن المكون العسكري سلم قبل أيام مذكرة للآلية الثلاثية -الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة شرق ووسط أفريقيا (إيغاد)- وأطراف من المجتمع الدولي لم يتم الإعلان عنها، تحوي بوضوح مهام المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة، على رأسها ممارسة مهام السيادة، وجوانب متعلقة بالسياسة الخارجية، وبنك السودان، وقضايا أخرى.
نقاط إيجابية
وبعد اجتماع مطول عقدته جماعة التوافق الوطني المؤيدة للعسكر، قال الأمين العام للجماعة مبارك أردول إن ما أثاره البرهان تضمن نقاطا إيجابية وأخرى غامضة تحتاج لاستجلاء أكثر وصولا للتوافق الوطني، وأكد دعمهم لحوار الآلية الثلاثية، حاثا القوى السياسية للانتظام فيه وأن تضغط الجماهير على رافضيه للقبول به
ورحب الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقرارات البرهان، قائلا إن ما ذهب إليه قائد الجيش فيه تأكيد لموقف الحزب الداعي لعدم تكرار الشراكة وبخروج المكون العسكري من الحوار، متيحاً الفرصة كاملة للمدنيين فيما بينهم لينتجوا حلولا تفضي لحكومة كفاءات مدنية. كذلك حصدت قرارات قائد الجيش تأييد حزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل، كما أعلنت تيارات صوفية وكيانات أهلية دعمها للقرارات.
وأشاد حزب بناء السودان بقرارات البرهان، ودعا القوى السياسية للتعامل معها بإيجابية، حيث يوضح القيادي في الحزب يعقوب مرزوق أن رؤية حزبه تنطلق من انغماس الجيش في العملية السياسية منذ الاستقلال، مردفا “نحن مع ضرورة ابتعاده كليا وهذا تغيير كبير وإستراتيجي ولا يمكن تحقيقه بضربة واحدة وإنما تدريجيا”.
ويشير مرزوق للجزيرة نت إلى أن قادة الجيش أنفسهم يجب أن يكونوا على قناعة بالتغيير وجزءا من تحقيق الهدف ذاته بما يضمن استدامة التغيير.
ولكنه يستبعد في الوقت ذاته اتفاق الأحزاب على حكومة تكنوقراط متكاملة، ويرى أن الأفضل التوافق على رئيس وزراء فقط يتولى بنفسه تكوين حكومته بحرية.
ويقول مرزوق إن حزبه اقترح الدفع بالدكتور عبد الله حمدوك لهذه المهمة من جديد.
ويتوقع مرزوق عودة المؤتمر الوطني -الحزب الحاكم سابقا- لطاولة الحوار تحت لافتة التيار الإسلامي العريض، ويقول إن ما يعزز ذلك هو ابتعاد القوى السياسية عن التعاطي الإيجابي مع التطورات الأخيرة، مما يتيح للمؤتمر الوطني العودة للمشهد السياسي من جديد.
وأكد أردول عزمهم الدخول في الحوار السياسي بقلب مفتوح ودون شروط مسبقة، مع الاتصال بمجموعة المجلس المركزي لتحالف الحرية والتغيير للاتفاق حول نقاط الخلاف ومعالجتها.
مناورة مكشوفة
وفي المقابل، انقسمت الرؤى حيال قرارات قائد الجيش داخل ائتلاف الحرية والتغيير المعارض الذي عقد اجتماعين عاصفين، امتد الأول لساعات طويلة دون أن يخرج باتفاق، لينجح في اجتماع ثان في التوصل لبيان موحد اعتبر خطوة البرهان “مناورة مكشوفة وتراجعا تكتيكيا يقبل ظاهريا بمبدأ عودة الجيش للثكنات مع إفراغ هذا المبدأ من محتواه”.
وشدد البيان على أن محاولة البرهان تصوير الأزمة كصراع بين المدنيين “ما هو إلا ذَر للرماد في العيون”، كما أن تعميم تعبير المدنيين يخلط بين قوى الثورة التي قاومت الانقلاب وتلك الأطراف المدنية التي دعمته أو كانت ضمن منظومة النظام البائد، بما يستوجب التعريف الصحيح للأزمة ليقود للحل الصحيح.
و الحل من وجهة نظر الائتلاف يبدأ بتنحي “السلطة الانقلابية”، ومن ثم “تشكيل قوى الثورة لسلطة مدنية انتقالية كاملة وفق إعلان دستوري يحدد هياكل الانتقال وقضاياه بما فيها قضية دور المؤسسة العسكرية ومهامها”.
وتعني ردود الفعل المتباينة إزاء قرارات البرهان صعوبة الوصول لأي تفاهمات محتملة يمكن أن تؤدي لتكوين حكومة تكنوقراط، وفتح الباب أمام المكون العسكري للإعلان قريبا عن تنظيم انتخابات مبكرة وتسليم زمام الحكم لمن يحصد أعلى الأصوات فيها.
ومن جانبه، يرى الحزب الشيوعي السوداني أن خطاب البرهان يؤكد صحة التسريبات التي راجت عن تسوية سياسية عبر تكوين حكومة مدنية ومجلس أمن ودفاع.
وقال في بيان أصدرته لجنته المركزية “بهذا الخطاب اتضحت كل مزالق التسوية وأبعادها والقوى التي خططتها والقوى المنوط بها تنفيذ ما اتفق عليه في الغرف المغلقة تحت رعاية الإدارة الأميركية والسعودية”، مشددا على أنه يرفض هذه التسوية ويراهن على التصعيد الجماهيري لإسقاط السلطة وحلفائها.
فرصة تاريخية
ويرى الخبير الأمني اللواء أمين إسماعيل مجذوب أن البرهان وضع الكرة في ملعب القوى السياسية، خاصة أن ابتعاد الجيش عن المشهد السياسي بمثابة تنفيذ لبعض الشروط التي وضعتها القوى السياسية والثورية، ويستدرك بأن هذا الخروج ليس نهائيا إنما تدريجي، باعتبار أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فني تنفيذي يخص الجيش والقوات الأخرى المدرجة معه.
ويؤكد مجذوب للجزيرة نت أن القوى السياسية أمام فرصة تاريخية للملمة أطرافها وبناء موقف وطني لتشكيل حكومة بسرعة تسمح بحل مجلس السيادة، ومن ثم تبحث في كيفية إكمال التحول الديمقراطي وإقامة الحكومة المدنية، مستبعدا أن يكون تصرف البرهان موقفا تكتيكيا، إنما محاولة جادة لحلحلة الأزمة في البلاد.
وبحسب الخبير الأمني، فإن القوى السياسية ولجان المقاومة مدعوة لمراجعة مواقفها والشروط التي وضعتها، لأن التفاوض الآن بينها أصبح ذا طريق واحد، في حين كان سابقا بين القوى السياسية والمكون العسكري، وهو ليس تفاوضا وإنما تشاور وتنسيق لتشكيل حكومة من التكنوقراط واختيار رئيس وزراء متفق عليه، ومن ثم تحديد طبيعة قيادة الدولة مع القوات المسلحة، إما من خلال مجلس سيادي جديد وإما رئاسة جمهورية.